سورة المدثر - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المدثر)


        


{كَلاَّ} ردعٌ لمن أنكرهَا أو إنكارٌ ونفيٌ لأن يكونَ لهم تذكرٌ {والقمر * واليل إِذْ أَدْبَرَ} وقرئ: {إذْ دَبَر} بمعنى أدبرَ كقَبِلَ بمَعْنى أَقْبَلَ ومنْهُ قولِهم صارُوا كأمسِ الدابرِ قيل: هُو من دَبِرَ الليلُ النهارَ إذَا خلفَهُ {والصبح إِذَا أَسْفَرَ} أي أضاءَ وانكشفَ {إِنَّهَا لإِحْدَى الكبر} جوابٌ للقسمِ أوْ تعليلٌ لكَلاَّ والقسمُ معترضٌ للتوكيدِ، والكُبرَ جمعُ الكُبْرى جعلتْ ألفُ التأنيثِ كتائِها فكَما جُمعتْ فُعْلَة على فُعَلٍ جُمعتْ فُعْلَى عَليها ونظيرُها القواصعُ في جمعِ القاصِعاءِ كأنها جمعُ قاصعةٍ أي لإِحْدى البَلايا أو لإِحْدَى الدَّواهِي الكُبرَ على مَعْنى أنَّ البلايا الكبرَ أو الدواهِيَ الكبرَ كثيرةٌ وهذهِ واحدةٌ في العظمِ لانظيرةَ لَها.


{نَذِيراً لّلْبَشَرِ} تمييزٌ لإحدى الكبرِ إنذاراً أو حالٌ مما دلتْ عليهِ الجملةُ أي كبرتْ منذرةً وقرئ: {نذيرٌ} بالرفعِ على أنه خبرٌ بعدَ خبرِ لأنَّ أو لمبتدأٍ محذوفٍ {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} بدلٌ من للبشر أي نذيراً لمن شاءَ منكم أن يسبقَ إلى الخير فيهديَه الله تعالى أو لم يشأْ ذلكَ فيضلَّه، وقيلَ: لمن شاء خبرٌ وأنْ يتقدمَ أو يتأخرَ مبتدأٌ فيكونُ في معنى قوله تعالى فمنْ شاءَ فليؤمنْ ومنْ شاءَ فليكفرُ {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} مرهونةٌ عندَ الله تعالى بكسبِها والرهينةُ اسمٌ بَمعْنى الرهنِ كالشتيمةِ بمعنى الشتمِ لا صفةٌ وإلا لقيلَ رهينٌ لأن فعيلاً بمعنى مفعولٍ لا يدخلُه التاءُ {إِلاَّ أصحاب اليمين} فإنهم فاكُّون رقابَهم بما أحسنُوا من أعمالِهم كما يفكُّ الراهنُ رهنَهُ بأداءِ الدينِ وقيلَ: هم الملائكةُ وقيل: الأطفالُ وقيل: هم الذين سبقتْ لهم من الله تعالى الحُسنى وقيلَ: الذين كانُوا عن يمينِ آدمٍ عليه السلامُ يومَ الميثاقِ وقيل: الذين يُعطون كتُبَهم بأيمانِهم {فِى جنات} لا يُكتنه كُنُهَها ولا يُدرك وصفُها وهو خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ والجملةُ استئنافٌ وقعَ جواباً عن سؤالٍ نشأَ مما قبَلُه من استثناء أصحابِ اليمين كأنه قيلَ: ما بالُهم فقيلَ هم في جناتٍ وقيل: حالٌ من أصحاب اليمين وقيل: من ضميرهم في قوله تعالى {يَتَسَاءلُونَ} وقيل: ظرفٌ للتساؤلِ وليس المرادُ بتساؤلهم أنْ يسألَ بعضُهم بعضاً على أنْ يكون كلُّ واحدٍ منهم سائلاً ومسؤولاً معاً بلْ صدورُ السؤالِ عنْهم مجرداً عن وقوعه عليهم فإن صيغةَ التفاعلِ وإن وضعتْ في الأصل للدلالةِ على صدورِ الفعلِ عن المتعددِ ووقوعهِ عليه معاً بحيثُ يصير كلُّ واحدٍ من ذلك فاعلاً ومفعولاً معاً كما في قولكَ تراءى القومُ أيْ رأى كلُّ واحدٍ منهم الآخرَ لكنها قد تجردُ عن المَعْنى الثانِي ويقصد بها الدلالةُ على الأولِ فقط فيذكرُ للفعلِ حينئذٍ مفعولُ كما في قولِك تراءوا الهلالَ فمعنى يتساءلونَ {عَنِ المجرمين} يسألونُهم عن أحوالِهم وقد حُذف المسؤولُ لكونه عينَ المسؤولِ عنه وقولُه تعالى {مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ} مقدرٌ بقولٍ هو حالٌ من فاعل يتساءلونَ أيْ يسألونَهم قائلينَ أيُّ شيءٍ أدخلكُم فيَها فتأملْ ودعْ عنكَ ما تكلفَ فيهِ المتكلفونَ.


{قَالُواْ} أي المجرمونَ مجيبينَ للسائلينَ {لَمْ نَكُ مِنَ المصلين} للصلواتِ الواجبةِ {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين} على مَعْنى اسمترارِ نفي الإطعامِ لا على نفي استمرارِ الإطعامِ كما مرَّ مِراراً وفيه دلالةٌ على أنَّ الكفارَ مخاطبونَ بالفروعِ في حقِّ المؤاخذذةِ {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخائضين} أي نشرعُ في الباطل مع الشارعينَ فيه {وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ الدين} أي بيوم الجزاءِ أضافُوه إلى الجزاء مع أن فيه من الدواهِي والأهوال ما لا غايةَ لهُ لأنه أدهاهَا وأهولُها وأنهم ملابُسوه وقد مضتْ بقيةُ الدواهِي وتأخيرُ جنايتِهم هذهِ معَ كونِها أعظمَ منَ الكُلِّ لتفخيمِها كأنهم قالُوا وكنا بعد ذلكَ كلِّه مكذبينَ بيومِ الدينِ ولبيانِ كونِ تكذيبِهم به مقارناً لسائرِ جناياتِهم المعدودةِ مستمراً إلى آخرِ عمرِهم حسبَما نطقَ به قولُهم {حتى أتانا اليقين} أي الموتُ ومقدماتُه {فَمَا تَنفَعُهُمْ شفاعة الشافعين} لو شفعُوا لهم جميعاً والفاء في قولِه تعالَى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} لترتيبِ إنكارِ إعراضِهم عنِ القرآنِ بغير سببٍ على ما قبلَها من موجباتِ الإقبالِ عليهِ والاتعاظِ به من سوءِ حالِ المكذبينَ ومعرضينَ حالٌ من الضميرِ في الجارِّ الواقعِ خبراً لمَا الاستفهاميةِ وعنْ متعلقةٌ بهِ أيْ فإذَا كانَ حالُ المكذبينَ به على ما ذكرَ فأيُّ شيءٍ حصلَ لهم معرضينَ عن القرآنِ مع تعاضدِ موجباتِ الإقبالِ عليهِ وتآخذِ الدواعِي إلى الإيمانِ بهِ وقولُه تعالَى.
{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ} حالٌ من المستكنِّ في معرضينَ بطريقِ التداخلِ أي مشبهينَ بحمرٍ نافرةٍ.

1 | 2 | 3 | 4